الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
وقال مثله غلاة الإمامية وخصوصا الاثنا عشرية منهم يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه المهدي دخل في سرداب بدارهم في الحلة وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هنالك وهو يخرج آخر الزمال فيملأ الأرض عدلا يشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركبا فيهتمون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد وبعض هؤلاء الواقفية يقول أن الإمام الذي مات يرجع إلى حياته الدنيا ويستشهدون لذلك بما وقع في القرآن الكريم من قصة أهل الكهف والذي مر على قرية وقتيل بني إسرائيل حين ضرب بعظام البقرة التي أمروا بذبحها ومثل ذلك من الخوارق التي وقعت على طريق المعجزة ولا يصح الاستشهاد بها في غير مواضعها وكان من هؤلاء السيد الحميري ومن شعره في ذلك: وقد كفانا مؤونة هؤلاء الغلاة أئمة الشيعة فإنهم لا يقولون بها ويبطلون احتجاجاتهم عليها وأما الكيسانية فساقوا الإمامة من بعد محمد بن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم وهؤلاء هم الهاشمية ثم افترقوا فمنهم من ساقها بعده إلى أخيه علي ثم إلى ابنه الحسن بن علي وآخرون يزعمون أن أبا هاشم لما مات بأرض السراة منصرفا من الشام أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وأوصى محمد إلى ابنه إبراهيم المعروف بالإمام وأوصى هو إلى أخيه عبد الله بن الحارثية الملقب بالسفاح وأوصى هو إلى أخيه عبد الله أبي جعفر الملقب بالمنصور وانتقلت في ولده بالنص والعهد واحدا بعد واحد إلى آخرهم وهذا مذهب الهاشمية القائمين بدولة بني العباس وكان منهم أبو مسلم وسليمان بن كثير وأبو سلمة الخلال وغيرهم من شيعة العباسية وربما يعضدون ذلك بأن حقهم في هذا الأمر يصل إليه من العباس لأنه كان حيا وقت الوفاة وهو أولى بالوراثة بعصبية العمومة وأما الزيدية فساقوا الإمامة على مذهبهم فيها وإنها باختيار أهل الحل والعقد لا بالنص فقالوا بإمامة علي ثم ابنه الحسن ثم أخيه الحسين ثم ابنه زيد بن علي وهو صاحب هذا المذهب وخرج بالكوفة داعيا إلى الإمامة فقتل وصلب بالكناسة وقال الزيدية بإمامة ابنه يحيى من بعده فمضى إلى خراسان وقتل بالجوزجان بعد أن أوصى إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط ويقال له النفس الزكية فخرج بالحجاز وتلقب بالمهدي وجاءته عساكر المنصور فقتل وعهد إلى أخيه إبراهيم فقام بالبصرة ومعه عيسى بن زيد بن علي فوجه إليهم المنصور عساكره فهزم وقتل إبراهيم وعيسى وكان جعفر الصادق أخبرهم بذلك كله وهي معدودة في كراماته وذهب آخرون منهم إلى أن الامام بعد محمد ابن عبد الله النفس الزكية هو محمد بن القاسم بن علي بن عمر وعمر هو أخو زيد بن علي فخرج محمد بن القاسم بالطالقان فقبض عليه وسيق إلى المعتصم فحبسه ومات في حبسه وقال آخرون من الزيدية أن الإمام بعد يحيى بن زيد هو أخوه عيسى الذي حصر مع إبراهيم بن عبد الله في قتاله مع منصور ونقلوا الإمامة في عقبه وإليه انتسب دعي الزنج كما نذكره في أخبارهم وقال آخرون من الزيدية أن الإمام بعد محمد بن عبد الله أخوة إدريس الذي فر إلى المغرب ومات هنالك وقام بأمر ابنه إدريس واختط مدينة فاس وكان من بعده عقبه ملوكا بالمغرب إلى أن انقرضوا كما نذكره في أخبارهم وبقي أمر الزيدية بعد ذلك غير منتظم وكان منهم الذاعي الذي ملك طبرستان وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين السبط وأخوه محمد بن زيد ثم قام بهذه الدعوة في الديلم الناصر الأطروش منهم وأسلموا على يده وهو الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر وعمر أخو زيد بن علي فكانت لبنيه بطبرستان دولة وتوصل الديلم من نسبهم إلى الملك والاستبداد على الخلفاء ببغداد كما نذكر في أخبارهم وأما الإمامية فساقوا الإمامة من علي الرضى إلى ابنه الحسن بالوصية ثم إلى أخيه الحسين ثم إلى ابنه علي زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق ومن هنا افترقوا فرقتين فرقة ساقها إلى ولده إسماعيل ويعرفونه بينهم بالإمام وهم الاسماعيلية وفرقة ساقوها إلى ابنه موسى الكاظم وهم الاثنا عشرية لوقوفهم عند الثاني عشر من الأئمة وقولهم بغيبته إلى آخر الزمان كما مر فأما الإسماعيلية فقالوا بإمامة اسماعيل الإمام بالنص من أبيه جعفر وفائدة النص عليه عندهم وإن كان قد مات قبل أبيه إنما هو بقاء الإمامة في عقبه كقصة هارون مع موسى صلوات الله عليهما قالوا انتقلت الإمامة من إسماعيل إلى ابنه محمد المكتوم وهو أول الأئمة المستورين لأن الإمام عندهم قد لا يكون له شوكة فيستتر وتكون دعاته ظاهرين إقامة للحجة على الخلق وإذا كانت له شوكة ظهر وأظهر دعوته قالوا وبعد محمد المكتوم ابنه جعفر الصادق وبعده ابنه محمد الحبيب وهو آخر المستورين وبعده ابنه عبد الله المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبد الله الشيعي في كتامة وتتابع الناس على دعوته ثم أخرجه من معتقله بسجلماسة وملك القيروان والمغرب وملك بنوه من بعده مصر كما هو معروف في أخبارهم ويسمى هؤلاء نسبة إلى القول بإمامة إسماعيل ويسمون أيضا بالباطنية نسبة إلى قولهم بالإمام الباطن أي المستور ويسمون أيضا الملحدة لما في ضمن مقالتهم من الإلحاد ولهم مقالات قديمة ومقالات جديدة دعا إليها الحسن بن محمد الصباح في آخر المائة الخامسة وملك حصونا بالشام والعراق ولم تزل دعوته فيها إلى أن توزعها الهلاك بين ملوك الترك بمصر وملوك التتر بالعراق فانفرضت ومقالة هذا الصباح في دعوته مذكورة في كتاب الملل والنحل للشهرستاني وأما الاثنا عشرية فربما خصوا باسم الإمامية عند المتأخرين منهم فقالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق لوفاة أخيه الأكبر إسماعيل الإمام في حياة أبيهما جعفر فنص على إمامة موسى هذا ثم ابنه علي الرضا الذي عهد إليه المأمون ومات قبله لم يتم له أمر ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه علي الهادي ثم ابنه محمد الحسن العسكري ثم ابنه محمد المهدي المنتظر الذي قدمناه قبل وفي كل واحدة من هذه المقالات للشيعة اختلاف كثير إلا أن هذه أشهر مذاهبهم ومن أراد استيعابها ومطالعتها فعليه بكتاب الملل والنحل لابن حزم والشهرستاني وغيرهما ففيها بيان ذلك والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وهو العلي الكبير.
|